وبين عشية وضحاها، أصبحت كعبة الآلاف، فقد شاع وملأ البقاع، أن العذراء
تجلت شبحاً نورانياً فوق برج الكنيسة، ورآها القسيس وغيره في جنح الليل
البهيم. وكأنما الصحف المصرية كانت على موعد مع هذه الإشاعة، فقد ظهرت
كلها، بغتة، وهي تذكر النبأ الغامض، وتنشر صورة البرج المحظوظ، وتلح إلى حد
الإسفاف في توكيد القصة؛ وبلغت من الجرأة، أنها ذكرت تكرار التجلي المقدس
في كل ليلة. وذهبت أنا والشيخ محمد أبو زهرة وآخرون، ومكثنا ليلاً طويلاً،
نرقب الأفق، ونبحث في الجو، ونفتش عن شيء، فلا نجد شيئاً. وعدنا وكتبنا ما
شاهدنا، وفوجئنا بالرقابة تمنع النشر. وقال لنا بعض الخبراء: إن الحكومة
محتاجة إلى جعل هذه المنطقة سياحية، لحاجتها إلى المال، ويهمها أن يبقى
الخبر، ولو كان مكذوباً".
وقد
كتب الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين الفندي، الأستاذ بكلية العلوم، في
القاهرة، تفسيراً علمياً لهذه الظاهرة، مبيّناً أنها تُعرف، في كتب العلم،
باسم "نيران سانت إلمو"؛ وقد أوردتها دائرة المعارف البريطانية، في المجلد
الرابع والعشرين، في الصفحة الأولى، تحت اسم: St. Elmo’s Fires، فقالت حرفياً:
"نيران سانت إلمو: هي الوهج، الذي يلازم التفريغ الكهربائي البطيء، من
الجو إلى الأرض. وهذا التفريغ المطابق لتفريغ "الفرشاة"، المعروف في تجارب
معامل الطبيعة، يظهر، عادة، في صورة رأس من الضوء على نهايات الأجسام
المدببة، التي على غرار برج الكنيسة، وصاري السفينة، وحتى نتوءات في
الأراضي المنبسطة؛ وتصحبها، عادة، ضوضاء، طقطقة، وأزيز. وتشاهد نيران سانت
إلمو، أكثر ما تُشاهد، في المستويات المنخفضة، خلال موسم الشتاء، أثناء
عواصف الثلج وفي أعقابها؛ فإن القسم البارز على سطح الأرض، كصواري السفن،
إذا تعرّض لمجالات شديدة، من حالات شحن الكهرباء الجوية، يُحدِث تفريغاً
وهجياً واضحاً".
وهذا الكلام
يطابق تماماً ما أوردته جريدة "الأهرام"، في وصفها لتجلي العذراء "هيئة
جسم كامل، من نور، يظهر فوق القباب الأربع الصغيرة لكنيسة الزيتون، أو فوق
الصليب الأعلى للقبة الكبرى، أو فوق الأشجار المحيطة بالكنيسة".
وبالعودة
إلى الحالة الجوية، التي سبقت رؤية تلك الظاهرة ولازمتها، يتبين أن البلاد
كانت تجتاحها موجة من الهواء شديد البرودة، فاق برد أوروبا؛ ما وفَّر
الظرف الملائم لتولد موجات كهربائية، بسبب عدم الاستقرار. وكثيراً ما تظهر
تلك الظاهرة على قمم الأشجار والجبال، فتتوهج، وتبدو كأنها تحترق؛ وكثيراً
ما خدعت بعض الطيارين، فأبلغوا حرائق وهمية، تكاد تمسك بهامات الأشجار، في
الغابات؛ بل أعلنوا أنهم شاهدوا هالات عجيبة، تحيط بطائراتهم، أثناء
تحليقها في الجو، فتُحدِث تداخلاً في أجهزة الاتصال. كما أنها قد تصبح
هدفاً مباشراً لعملية تفريغ مفاجئ من شحنة مضادة، ما يؤدي احتراق الطائرة.
فبادر العلماء إلى تجارب عديدة على هذه الظاهرة؛ إذ وضعوا نموذجاً صغيراً
لطائرة مشحونة بالكهرباء الساكنة؛ فظهرت حولها تلك الهالات، في ظروف
ملائمة. ثم تبين أن ما ظنه الطيارون ناراً أو حريقاً، لم يكن، في الحقيقة،
إلاَّ ظاهرة طبيعية بحت.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء