pregnancy

الملك نبوخذ نصر و الكتاب المقدس


نبوخذ نصر ( نبوخذ راصر)
(1) أسرته : وهو نبوخذ نصر الثانى ، الملك الوحيد بهذا الاسم الذي جاء ذكره مراراً في الكتاب المقدس لأهمية دوره في التاريخ الكتابي - كما سبق التنويه . ويذكر باسم " نبوخذ راصر " فى نبوتى إرميا وحزقيال . وهو ابن نبوبولاسر ملك بابل ، وقد تزوج امرأتين : " اميتيس " ابنة استياجس ملك الماديين ، ونيتوكريس التى ولدت لــــــه " نبونيدس " وتذكر الآثار أنه كان له ثلاثة أبناء ، أولهما " اويل مرودخ " الذي خلفه (2مل 25 :27) .
(2) مصادر تاريخه : لقد تم اكتشاف أكثر من 500 لوحة مؤرخة بالأيام والشهور والسنين من ملكه . كما يوجد نحو ثلاثين مبنى تحمل نقوشاً تشيد باسمه ، غالبيتها على أحجار اسطوانية أو على الطوب ، بما فى ذلك لوحة " بيت الهند الشرقى " ، وهي عبارة عن لوح من البازلت الأسود عليه 621 سطراً تصف تحصينه لبابل ، وإعادة بناء القصر القديم ، وبناء قصر جديد . كما أن هنـــــــاك 720 ( سبعمائة وعشرين ) سطراً فى نقش وادى برسَّا فى سورية ، تسجل غزواته للبنان ، ونقل بعض أشجار الأرز منها إلى بابل . كما نشر - من عهد قريب - د.ج . ويزمان لوحات مسجل عليها تاريخ الاثنتي عشرة سنة الأولى من حكمه ، سنة بعد سنة . ومن المراجع الأخرى الهامة لتاريخه ، أسفار العهد القديم ( الملوك الثانى ، وأخبار الأيام الثانى ، وإرميا ، وحزقيان ، ودانيال ) وبعض كتابات المؤرخين المتأخرين التى ذكرها يوسيفوس ويوسابيوس .
(3) التاريخ السياسي له : كان نبوخذ نصر الثانى - بلا منازع - أعظم ملوك الإمبراطورية البابليـــة الثانيـــة ( 626 - 539 ق.م. ( ، والتى حكمها مدة 43 سنة ( 605 - 562 ق.م. ) وأبوه هو "نبو بولاسار" ، الذي تحدي جيوش أشور المتداعية ، واستقل بعرش بابل في 23 نوفمبر سنة 626 ق.م . وبعد أن تم تدمير نينوى فى 612 ق.م. على يد الجيوش المتحالفة من بابل ومادي ، نقلت أشور عاصمتها غرباً إلى حاران التى احتلها نبوبولاسار في 610 ق.م. بدون عناء كبير ، ولم نعد نسمع شيئاً عن آشور بعد 609 ق.م.
وكانت النتيجة المباشرة لانهيار آشور ، هو استعادة مصر لسيطرتها على يهوذا لفترة قصيرة ، فأصبح نخو الثانى فرعون مصر ( 609 - 593 ق. م. يخلع ملوك يهوذا ويولي من يشاء ، إلى أن حدثت موقعة كركمــــــيش ( إش 10: 9 ، إرميا 46 : 2 ) التى هزمت فيها جيوش بابل بقيادة نبوخذ نصر ، ولي عهد مملكة بابل ، القوات المصرية ( يمكن الرجوع إلى "كركميش " فى موضعها من الجزء السادس من دائرة المعارف الكتابية ) .
وعن طريق الألواح البابلية المكتشفة حديثاً ( والمذكورة آنفاً ) يمكننا تحديد التاريخ الذى حدثت فيه موقعة كركميش بأكثر دقة ( مايو / يونيو 605 ق.م. ) . وتبدو أهمية هذه المعركة فى ما جاء عنها فى نبوة إرميا ( 46 : 2 12 ) ، وكتابات يوسيفوس ، إذ بها زال نفوذ مصر فى فلسطين ، كما بدأ نجم نبوخذ نصر فى البزوغ . وفى 16 أغسطس سنة 605 ق.م. توفى نبوبولاسار ، وحالما بلغ الخبر نبوخذ نصر، تخلى عن مطاردة فلول الجيش المصرى ، وهرع إلى بابل للاستيلاء على العرش ، وتم تتويجه فى 7 سبتمبر سنة 605 ق.م. وعاد بعد ذلك إلى قيادة جيشه فى الغرب واستأنف فتوحاته فى سورية .
وما حل عام 603 ق.م. حتى كان نبوخذ نصر قد أصبح سيداً لكل سورية وفلسطين ، ونقل يهوياقيم - ملك يهوذا - ولاءه من مصر إلى ملك بابل ( 2 مل 24 : 1 .( ودمر نبوخذ نصر أشقلون ) فى فلسطين ( فى طريق عودته إلى بابل فى فبراير 603 ق.م. وتوجد بردية بالأراميــــــــة ( محفوظة بالمتحف المصرى بالقاهرة تحت رقم 86684 ) عبارة عن خطاب من حاكم أشقلون ( قبل تدميرها ) إلى فرعون مصر طلبا للنجدة .
وزحف نبوخذ نصر مرة أخرى إلى مصـــــــر فى 601 ق.م. وتقابل مع الجيوش المصرية قرب حدود مصر في معركة غير فاصلة ، خسر فيها كلا الطرفين خسارة كبيرة . ومن الجلي أن يوياقيم رآها فرصة سانحة للتمرد على بابل والامتناع عن دفع الجزية ( 2مل 24 : 1 ) . ورغم هذه الظروف غير المواتية ، فإن نبوخذ نصر لم يكن ليسمح ليهوذا بالمروق عن طاعته ، فدفع غزاة من المرتزقة مع غزاة من جيشه لمهاجمة يهوذا ( 2 مل 24 : 2 ) .
ثم زحف نبوخذ نصر بالقوات الرئيسية من جيشه على يهوذا ( 2 مل 24 : 10 و 11 ) فى ديسمبر 598 ق.م. ويقول كاتب الحوليات البابلية عن أحداث 597ق.م. إن نبوخذ نصر حاصر مدينة يهوذا ( أورشليم ) ، وفى اليوم الثانى من شهر أذار ( 16 مارس ) فتح المدينة وأسر الملك ( يهوياكين ) وأقام على عرش يهوذا متنيا ( عم يهوياكين ) ودعاه " صدقيا " . وكان الملك يهوياقيم قد مات في نفس الشهر الذى بدأ فيه نبوخذ نصر الزحف على يهوذا ، وذلك في ضوء حقيقة أن ابنه يهوياكين ( 2 مل 24: 6 ) لم يملك سوى ثلاثة أشهر وعشرة أيام ( 2 أخ 36 : 9 ) ، وإن كان سفر الملوك ( 2 مل 24 : 8 ) يذكر المدة بالتقريب على أنها ثلاثة أشهر ، قبل حصار نبوخذ نصر لأورشليم فى ديسمبر 598 ق.م. .
وقد سار نبوخذ نصر على نهج أسلافه من ملوك أشور منذ عهد تغلث فلاسر الثالث ، فى نقل الملك يهوياكين وأسرته ورجال حاشيته ورؤسائه - وكل من كان يحتمل أن يثير مقاومة - إلى بابل ، ولم يترك إلا مساكين شعب الأرض ( 2 مل 24: 12- 16 ، 2 أخ 36: 10 و إرميا 22 : 24 - 30 ، 52 : 28 ) . كما أمر نبوخذ نصر بإحضار رهائن من النسل الملكي ومن الشرفاء ، الذين كان منهم دانيال وأصحابه الثلاثة ( دانيال 1 : 1 - 7 ) كما أخذ نبوخذ نصر خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك . وكسَّر كل آنية الذهب التى عملها سليمان ملك إسرائيل فى هيكل الرب ، وسبى " كل الرؤساء وجميع جبابرة البأس ... وجميع الصنّاع والأقيان " ( 2مل 24: 13و 14 ) .
كان يمكن أن يظل صدقيا موالياً لنبوخذ نصر لو لم تطرأ عدة عوامل - خارج إرادته - علـــى الموقف السياسي . فقد ظل عدد كبير من اليهود - سواء في أورشليم أو في بابل - يعتبرون يهوياكين الملك الشرعى ، والنبى حزقيال نفسه كشف عن مشاعره الحقيقية فى هذا الصدد بأن أرخ لنبوته " بالسنة الخامسة من سبي يهوياكين الملك " ( حز 1 : 1و2 ).
ورغم هزيمة مصر في كركميش - التى أضعفتها كثيراً - فإنها ظلت تمارس بعض النفوذ فى شئون الشرق الأوسط ، علاوة على انتشار التمرد ضد بابل ، ليس في أورشليم وحدها ( رغم تحذيرات النبي إرميا لشعبه من التمرد عليها ) ، بل أيضاً بين شعب نبوخذ نصر نفسه . وفى 595/594 ق.م. وجد نبوخذ نصر أنه من المحتم عليه أن يبقى في بابل لإخماد تمرد محلي فيها . وفي السنة التالية أعلن حننيا - النبي الكذاب في أورشليم - أنه في غضون سنتين سيرجع كل الذين سباهم نبوخذ نصر إلى بابل ( إرميا 28: 1 - 4 ) ، ولعل حننيا بلغه شيء عن التمرد الحادث في بابل ، ورأي فيه علامة على أن التمرد سيتسع . على أي حال فقد أعلن إرميا كذب أقوال حننيا ، ونصح المسبيين بأن يواصلوا حياتهم بهدوء في بابل ، لأن الرب قد أعلن له أن إقامتهم في بابل ستطول ( إرميا 29 : 1 - 23 ) .
واستمع صدقيا ملك يهوذا لمشورة إرميا الحكيمة ، بعض الوقت . ويبدو مما جاء فى نبوة إرميا ( 51 : 59 ) أنه في نفس السنة التى أعلن فيها حننيا نبوته الكاذبة - والأرجح أنه نتيجة لها - استدعى نبوخذ نصر صدقيا إلى بابل ليتأكد من مدى ولائه له ومن الواضح أن نبوخذ نصر اقتنع بأقوال صدقيا ، فأبقاه على عرش يهوذا . ولكن صدقيا وجد نفسه - في السنوات التالية - غير قادر على مقاومة حزب المتشيعين لمصر من شعبه ، والمعارضين لبابل ، مما جعله - رغم نصيحة إرميا ( 2 أخ 36: 12، إرميا 21 : 1 - 7 ، 37 : 3-17 - 20 ، 38: 14 - 23 ) يتمرد على بابل ( 2 مل 24 : 20 ، 2 أخ 36 : 13 - 16 ، إرميا 52 : 3 ) .
وفى يناير 588 ق.م. كان نبوخذ نصر يحاصر بجيشه أورشليم ( 2 مل 25 : 1 ، إرميا 39 : 1 ، 52 : 4 ، حز 24 : 1 و 2 ) . وكان جيش بابل قد استولى على مدن يهوذا الحصينة ، الواحدة تلو الأخرى ، حتى إنه عندما كان يحاصر أورشليم ، لم يكن باقياً من مدن يهوذا سوى لخيش وعزيقة ( إرميا 34 : 6 و 7 ) .
وتصوِّر رسائل لخيش التى تتكون من 21شقفة من الفخار، والتى وجدت فى " تل الدوير " ( لخيش الكتابية) فى 1935 و 1938، مدى الرعب الذي اجتاح يهوذا فى أيامها الأخيرة . وكان البصيص الوحيد من الرجاء - في وسط الظروف التي تدعو إلى اليأس - هو انسحاب القوات البابلية وقتياً من حول أورشليم ، لمواجهة زحف الجيش المصري ( إرميا 37: 5 و 11 ) ، والأرجــح أنه كان بقيادة " أبريس " ( حفرع ) فرعون مصر (589 - 570 ق.م. ) ولكن لم يكن ذلك إلا لوقت قصير ، إذ سرعان ما أجبر البابليون جيش مصر على التراجع ، واستأنفوا حصارهم لأورشليم .
وصمدت المدينة على مدى ثلاثين شهراً ، ولكن أخيراً استطاعت جيوش بابل المتفوقة أن تقتحم أسوارها في يوليو 586 ق.م. فى السنة التاسعة عشرة من حكم نبوخذ نصر ( 2 مل 25 : 1 - 4 و 8 ، إرميا 39 : 2 ، 52 : 5 - 7 و 14 ) . وحاول صدقيا والبعض من جيشه أن يهرب ليلاً ، ولكن أُلقي القبض عليه بالقرب من أريحا . وأُخذ صدقيا إلى نبوخذ نصر ، إلى ربلة على نهر العاصي ، وهناك قتلوا أبناءه أمام عينيه ، ثم قلعوا عينيه وقيدوه بسلسلتين من نحاس وجاءوا به إلى بابل ( 2 مل 25 : 5 - 7 ، إرميا 39 : 4 - 8 ، 52 : 8 - 11).
ثم جاء نبوزردان رئيس حرس نبوخذ نصر إلى أورشليم ليستكمل نهب المدينة والهيكل ويحرقهما ويسبي أهلها ، ولم يترك وراءه إلا الفقراء ( 2 مل 25 : 8 - 17 ، 2 أخ 36 : 17 - 20 ، إرميا 39 : 9 و 10 ، 52 : 12 - 23) .
وبعد تدمير أورشليم ، عيَّن نبوخذ نصر " جدليا بن أخيقام " والياً على يهوذا ، ولكن سرعان ما تآمر عليه الباقون من الحزب المعارض لبابل ، وعندما حانت لهم الفرصة اغتالوه في المصفاة ، وقتلوا معه عدداً من اليهود والكلدانيين الذين كانوا معه في المصفاة ( 2 مل 25 : 22 - 25 ، إرميا 40 : 7 - 41 : 3 ) .
وهرب رأس المؤامرة ، إسماعيل بن نثنيا ( من النسل الملكى ) ومعه ثمانــــية رجال إلى بنى عمون (إرميا 41 : 15 ) ، بينما هربت جماعة أخرى - خوفاً من انتقام بابل - إلى مصر ( 2 مل 25 : 26 ، إرميا 41 : 16 - 18) آخذين إرميا النبي معهم ( إرميا 43 : 5 - 7 ) .
أما الدفعة الثالثة والأخيرة من المسبيين ، فقد أُخذت فى 582 ق.م. ( إرميا 52 : 30 ) ، ويبدو أنها كانت حملة تأديبية أرسلها نبوخذ نصر إلى يهوذا عقب مقتل جدليا .
أما الملك صدقيا الذي قلعوا عينيه ، فقد ظل يعانى فى سجنه إلى أن مات أخيراً ( 2 مل 25 : 7 مع حز 12 : 13 ) . ولكن كان يهوياكين - إلى حد ما - أسعد حظاً ، ففى 562 ق.م. أطلق أويل مرودخ ملك بابل ( وابن نبوخذ نصر وخليفته ) سراحه ، وجعله أحد رجال حاشيته ( 2 مل 25 : 27 - 30 ، إرميا 52 : 31 - 34 ) . وكان يهوياكين - قبل ذلك - يُزوَّد بكل احتياجاته ، كما يتضح من عدد من الوثائق الإدارية التى وجدت في أطلال بابل ، والتى ترجع إلى أيام حكم نبوخذ نصر ، وتذكر يهوياكين باعتباره ملك اليهود .
وكانت غزوات نبوخذ نصر في الغرب بعد 586 ق.م. قليلة الأهمية من وجهة نظر يهوذا ، فحصاره لصور ( 585 - 572 ق.م. ) يشار إليه في نبوة حزقيال ( 26 - 28 ، 29 : 18 ) . أما معركته ضد حيوش أمازيس فرعون مصر فى 568 / 567 ق.م. فيبدو أن حزقيال قد أنبأ بها أيضاً ( حز 29 : 19 ) . ومات نبوخذ نصر فى 562 ق.م. بعد 25 سنة من استسلام أورشليم له .
(4) المبانى التى شيدها : بينما يشتهر نبوخذ نصر الثانى - وبحق - كقائد عسكري فذ ، فإنه كان أيضاً بنَّاءً عظيماً . فقد كشفت الأبحاث الأركيولوجية التى قامت بها البعثة الهولندية برياسة " روبرت كولدواى " ابتداء من 1899 م على أن نبوخذ نصر أعاد بناء بابل وحصَّنها وجعل منها مدينة عظيمة حتى استطاع أن يقول : " أليست هذه بابل العظيمة التى بنيتها لبيت الملك ، بقوة اقتداري ولجلال مجدى !" ( دانيال 4 : 30 ) ، فقد أعاد بناء أكثر من عشرين معبداً فى بابل وبورسيبَّا ، كما أنشأ فى بابل شارعاً مرتفعاً يخترق بابل من بوابة إشتار ليمر به موكب الإله " مردوخ ". كما شيد إحدى عجائب العالم القديم السبع وهى حدائق بابل المعلقة من أجل زوجته أمتيس ، ابنة - استياجس ملك الماديين التى جاءت من بلاد جبلية تغطيها الغابات .
ويمكن أن ندرك شيئاً من فخامة بلاطه مما جاء عنه فى نبوة دانيال ( ص 1 - 4 ) . ويمكن الرجوع إلى مادة " بابل - مبانيها " فى موضعها من الجزء الثانى من دائرة المعارف الكتابية .
(5) نبوخذ نصر كمشرع : يوجد فى المتحف البريطانى لوحة نشرها و.ج. لامبرت ، أ.ى .ميلارد فى 1965 ، تشيد بفضائل أحد الملوك كمشرع وقاضٍ ، لا يمكن أن تنطبق إلا على نبوخذ نصر الثانى . فتنسب إليه مجموعة من القوانين ، وكذلك أوامر لتنظيم المدينة ( والتى من الواضح أنها بابل ) .
(6) الديانة : تدل النقوش التى تركها نبوخذ نصر على أنه كان رجلاً متديناً جدّاً حريصاً على القيام بكل العبادات المفروضة لآلهة بابل . وتحتوي النقوش الطويلة التي تركها على ترنيمتين ، تختم كل منهما بصلاة. وكثيراً ما يذكر التقدمات من معادن نفيسة وأحجار كريمة ، وأخشاب وأسماك وخمور وثمار وحبوب . ويجب ملاحظة أن هذه التقدمات تختلف في نوعيتها والغرض منها عن التقدمات عند اليهود . فمثلاً لا يشير أى نقش من النقوش إلى رش دم ، أو إلى الكفارة ، أو إلى الخطية .
(7) الجنون : لا توجد أى إشارة فى نقوش نبوخذ نصر إلى إصابته بالجنون . ونحن لا ننتظر من أى إنسان أن يذكـــــــر عن نفســـــه أنه أصــــيب بالجنون . ويقول : " لانجدون " إنه ليس لدينا سوى ثلاثة نقوش كتبت ما بين 580 - 561 ق.م. فإذا كانت إصابته بالجنون قد استمرت سبع سنوات ، فالأرجح أنها حدثت بين 580 - 567 ق.م. أو ما بين غزوته لمصر فى 567 ق.م. وموته في 561 ق.م. ولكن إذا كانت "السبعة الأزمنة " ( دانيال 4 : 23 ) هي سبعة أشهر - كما يظن بعض العلماء - وليست سبع سنوات ، فلعل ذلك حدث فى أي سنة بعد 580 ق.م. أو ربما قبلها ، فليس ثمة من يمكنه الجزم بذلك . ويذكر نبوخذ نصر في العمود الثامن نقش بيت الهند الشرقي ، الذى يرجع إلى النصف الأخير من حكم نبوخذ نصر ، شيئاً يمكن أن يؤيد ذلك ، إذ يقول : لمدة أربع سنوات لم يسر قلبي بعرش مملكتي فى مدينتى ، ولم أشيد بناء عظيماً ، ولم أستخرج كنوز مملكتى الثمينة ، ولم أسكب أفراح قلبي لمردوخ إلهي فى بابل مدينة ملكي.
(8) الأحلام : لا توجد أي إشارة فى نقوشه إلى :
أ / حلمه المذكور فى الأصحاح الثانى من نبوة دانيال .
ب / التمثال الذي أقامه في بقعة دورا في ولاية بابل .
جـ / أتون النار الذي نجـــــا منـــــه الفتية الثلاثة ( دانيال 3 ) .
وبالنسبة للحلم ، يمكننا أن نقول إن الإيمان بالأحلام كان منتشراً بين كل الشعوب القديمة ، فلم يكن ثمة ما يستدعى الإشارة إلى حلم بعينه . وحوليات آشور نيبال ونبونيدس وأجزركسيس بها الكثير من الإشارات إلى أهمية الأحلام وتفسيرها . ولابد أن نبوخذ نصر أيضاً كان يؤمن بها .
أما بالنسبة للتمثال ، فإننا نعلم أن نبوخذ نصر أقام تمثالاً لشخصه الملكى ( كما فعل أبوه ) . وكانــــت تماثيل "نبو ومردوخ" موضع على محفات يسيرون بها فى مواكب الاحتفال بالعام الجديد ، وأنه كانت هناك تماثيل للآلهة في كل المعابد ، وأن نبوخذ نصر كان يسجد أمــام هذه التماثيل . فإقامة نبوخذ نصر لتمــثال من الذهب ووضعه فى " بقعه دورا " يتفق تماماً مع ما نعرفه عن تدينه الشديد ،
وقد اكتشف مستر " ج . أوبرت " ( J. Oppert) بقايا منصة حجرية مربعة ضخمة ، علي بعد ستة أميال إلى الجنوب الشرقى من بابل ، لعلها كانت قاعدة تمثال الذهب الذي أقامه نبوخذ نصر فى بقعة دورا (دانيال 3 ) .
أما بالنسبة لأتون النار ، فمن المعروف أن أشور بانيبال ملك آشور يقول إن أخاه " شماش - شوموكين " قد أُحرق فى مثل هذا الأتون .
وعدم ذكر نبوخذ نصر لاسم أحد من الأشخاص المذكورين فى سفر دانيال ، ليس دليلاً على عدم وجودهم، فهو لم يذكر فى نقوشه موقعـــة كركميش مع أهميتها البالغة ، أو حصاره لصور أو لأورشليم . والحقيقة هي أنه ليس لدينا نقوش تاريخية كاملة عن نبوخذ نصر ، وكل ما عثرنا عليه لا يزيد عن سطور قليلة متقطعة وجدت في مصر وبابل .
شكرا لتعليقك