pregnancy

الخليفة العباسي هارون الرشيد



 

عندما يُذكَر "هارون الرشيد" تُذكر حقبة من أعظم عصور المسلمين ازدهارا وحضارة وهيبة وقوة بين الدول، فقد شهدت  فترة حكمه اهتماما واضحا بالعلم والعلماء، وازدهارا واسعا للعلوم والفنون، وزيادة ملحوظة في العمران، وتركيزا أكبر على إقامة المشاريع المائية والزراعية، وتنمية الموارد المالية؛ وهو ما انعكس على انتعاش الحياة الاقتصادية، وتمتع الناس بالرهافية، في دولة مترامية الأطراف، تمتد من وسط آسيا إلى المحيط الأطلسي.



 
صورة تقريبيّة لهارون الرشيد

 

يُعدّ "هارون الرشيد" الخليفة الخامس في الدولة العباسية (وعاصمتها بغداد)  التي تلت كلاّ من الخلافة الراشدة، والدولة الأموية (وعاصمتها دمشق). ولد سنة 148 هجرية، في مدينة الريّ الجميلة العريقة، التي تقع في الجنوب الشرقي لطهران بإيران. وكان أبوه (المهديّ) آنذاك أميرا على الريّ وخراسان من قَبل الخليفة "المنصور"، ثم أصبح خليفة للمسلمين بعد وفاة أبيه "المنصور".
عمل والده على تهذيبه وتعليمه منذ الصغر، فعهد به لعدد من العلماء والمربين ليعملوا على تنشئته، فكان من بين هؤلاء المعلمين "الكسائي" و"المفضل الضبي"؛ فأصبح "هارون الرشيد" فصيحا محبّا للأدب والعلم. وما أن كبُر حتى دفع به والده للجهاد، وهو ما أثرى خبراته في ميادين القتال، وأكسبه شخصية قيادية شجاعة. 

هارون الرشيد في قصره
 
 
 
جعله والده وليّا ثانيا للعهد بعد أخيه "موسى الهادي"، إثر قيادته لأولى معاركه ضد الروم سنة 165 للهجرة، وتحقيقه نصرا ساحقا عليهم، وعمره آنذاك 17 عاما.
وتولّى "هارون الرشيد" مقاليد الخلافة، وتمت البيعة له بعد وفاة أخيه الهادي؛ وكان ذلك سنة 170 هجرية، وعدّ توليه بداية عصر مزدهر للدولة العباسية.

 
 الدولة العباسية في عهد هارون الرشيد​
 
بيت الحكمة:
 
امتدت بغداد عاصمة الخلاقة في عصره وازدهرت، وشهدت نهضة علمية واسعة. ويرجع الفضل لـ "هارون الرشيد" في إنشاء "بيت الحكمة"، وهو أشبه بمكتبة ضخمة جمعت فيها العديد من الكتب من مختلف البلدان كالهند وفارس وغيرها؛ فكانت تضم قاعات للكتب، وأخرى للمحاضرات، وغيرها للناسخين والمترجمين.
 وغدت بغداد في عهده قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين. وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية، فكان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأى والمناقشة. كما أصبحت بغداد مركز التجارة في الشرق، حيث كانت تأتيها البضائع من كلّ مكان؛ بعد أن اتسع عمرانها، وزاد سكانها حتى بلغ مليون نسمة. وبنيت فيها القصور والأبنية الرائعة والمساجد على جانبي نهر دجلة والفرات؛ وحفرت فيها الترع، وشقت فيها الطرق، وأقيمت فيها المشاريع المختلفة... كل ذلك بسبب الوفرة المالية للدولة العباسية، بعد أن بلغت أموال الخراج (أي الضرائب المفروضة على الأراضي الزراعية في الدول التي تمّ فتحها) في عصر الخليفة "هارون الرشيد" أوجها. وكانت تلك الأموال تدخل خزينة الدولة -بعد أن تأخذ جميع الأقاليم الإسلامية نصيبها منها- في البناء والتطوير، وتحقيق الرخاء للناس.

العملة في عهد الدولة العباسيّة       
 
طريق الحجّ:
 
وكان للحج أهمية خاصة عند المسلمين باعتباره عبادة وسياحة دينية؛ لذا نظّم العباسيون طرق الوصول إلى الحجاز، وبنوا المنازل والقصور على طول الطريق إلى مكة، طلبا لراحة الحجاج. وقام الرشيد بفرشها بالأثاث، وزوّدها بأنواع الطعام والشراب. وبارته زوجته "زبيدة" في إقامة الأعمال التي تيسّر على الحجّاج طريقهم ومعيشتهم؛ فعملت على إيصال الماء إلى مكة من عين تبعد عن مكة بنحو ثلاثين ميلاً، وحفرت على طولها الآبار والعيون.

طقس الحجّ​
 
وعُرف عن الخليفة "هارون" أنه كان يغزو عاما ويحج عاما. فإذا حج حجَّ معه مائة من الفقهاء والعلماء وأبنائهم، وإذا لم يحجّ قام بالإنفاق على ثلاثمائة رجل ليؤدوا فريضة الحج. كما عرف عنه أيضا أنه كان يصلي كل يوم مئة ركعة، ويتصدق من ماله الخاص بألف درهم.
ورغم هذه الرقة والزهد، فقد كان هارون قائدا عسكريا شجاعا يقود المعارك بنفسه. ومما اشتهر عنه تأديبه لـ "نقفور" ملك الروم آنذاك ـوبلاد الروم تقع في تركيا حالياـ عندما حاول نقض الهدنة التي كانت بين بلاده وبين الدولة العباسية في عهد الملكة التي سبقته، ورفض دفع الجزية للدولة الإسلامية. فكان أن ردّ على كتابه بجملة مختصرة حاسمة اشتهرت عنه: (قد قرأت كتابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع). وسار إليه بجيش كبير، وانتصر عليه انتصارا عظيما.
توفي "هارون الرشيد"  ـرحمه الله ـ عام 193هـ، عندما كان في طريقه إلى خراسان لإخماد عدد من الثورات التي اشتعلت هناك ضد الدولة العباسية.
شكرا لتعليقك